ما ان دخل مقصورة القطار حتى احس بحركته المتثاقله
جلس في مقعده ناظراً من النافذه
لقطرات المطر المنسابه على الزجاج..
منظراً كان يثير الدفء والاحساس بالحنين لديه...
فالمطر.. كان رفيقاً لذكرياته
واشواقه....
استعاد بلحظه من ذاكرته
ذلك اليوم الممطر
وتلك اللحظات التي اضطر فيها للاختباء في زاوية الشارع
تجنباً لغزارة القطرات المتساقطه
صار امامه محل لبيع الزهور
ومن دون تفكير دخل المحل بحجة الشراء
كان داخله جميلاً وضعت الزهور بتنسيق رائع
والنافوره الجميله التي توسطت المحل
وصوت خرير الماء اضفى تعبيراً لطيفا
ً بادرها قائلاً: صباح الخير انستي
كانت منشغله بتنسيق احدى الباقات
اجابت دون ان تلتفت صباح الخير
قال : هل لك انستي ان تساعديني بأختيار بعض الزهور
استدارت في تلك اللحظه
وبكل هدوء..
ازالت خصلة الشعر المنسدله على عينيها
بدت وكأنها اميره
كانت جميله ورقيقه... وقد اضافت زرقة عيناها سحراً على ذلك الوجه الطفولي المشرق
تسمّر في مكانه
ارتبك قليلاً
احس بأن شعاعاً انطلق من عينيها ليستقر في اعماقه
قال في نفسه :
كم هي رقيقه وفاتنه انها اقرب ما تكون الى ملاك او حوريه
قالت مبتسمه :
حسناً لمن تريد اهداء الزهور لزوجتك مثلاً
اجابها وقد تفاجىء : هاا لالا.. انا لست متزوجاً
انها لصديق اود زيارته!!
لاحظت هي ارتباكه قالت مشجعه:
اذا لنختارها معاً ما رأيك بالتوليب والبنفسج
اجابها: نعم يبدو ذلك رائعاً...
اختلست نظره اليه وقالت لنفسها
يبدوعليه انه خجول ومهذباً...
وبرغم انها حاولت ان تتحاشاه لكنها مع ذلك كانت تسترق النظر له
بعد قليل اكملت تحضير باقة الزهور التي بدت انيقه وجذابه
في تلك اللحظه قطع تفكيره وذاكرته صوت الطرق على باب المقصوره
من عامل الخدمه في عربة القطار
قائلاً عمت مساءً سيدي
هل تود ان تشرب شيئاً لدينا قهوه ممتازه ..
قال : نعم بقطعتي سكر لو سمحت..
وهكذا هو احب دائماً ان يشربها !!
منذ تلك اللحظه
حين قالت له بائعة الورد
الان اكملت لك تنسيق الزهور ولكن قل لي كيف ستوصلها في هذا المطر
قال: ها..لست اعرف لاادري ولكن ..
وقبل ان يكمل قالت:
اذاً دعني اصنع لنا فنجاني قهوه ريثما يتحسن الطقس
عندها يمكنك الخروج
اجابها يسعدني ذلك
قالت : كيف هي قهوتك
اجاب مرتبكاً على ذوقك
قالت انا افضلها بقطعتي سكر
ودون ان ينتبه لنفسه اجابها بصوت مسموع
اما انا فأفضل وجهك من غير سكر.....
لاحت على وجهها ابتسامه خجله ولم ترد عليه اكتفت بتذوق تلك العباره الرقيقه منه
كانت تلك الكلمات هي اول رساله لقلبها....
وهنا طرق عامل الخدمه.. باب المقصوره من جديد حاملاً القهوه
تناولها وهو غارقاً بتلك الذكريات الجميله...
كانت روحه تتسابق مع ذلك القطار.. تود ان تختصر الوقت
وتبتلع المسافات كي يصل الى تلك المدينه
التي ترك فيها قلبه وذكرياته عند
بائعه الورد منذ عام تقريباً ...
في تلك المدينه التقى بأروع حدث في حياته
وها هو الان يعود لتلك المدينه ليلتقيها
ولكن هذه المره ليحتفظ بها للابد ويشاركها ما تبقى من سنين عمره ..
لازال يتذكر ما حدث في اليوم التالي
حين توقف اما محل الورد يتجاذبه شوقه لرؤيتها من جديد.... وخجله.. وارتباكه
لم يكن قد نام جيداً بالامس اخترقته السعاده فأستدعت مشاعره كل الكلمات الجميله ورسم قلبه كل المشاهد المحتمله في اللقاء الثاني كان جزء منه خائفاً ولكنه لم يسمح لعقله ان يتدخل وعانق قلبه مانحاً اياه الحقوق الحصريه في القرار.. بينما كانت السماء تنثر ما تبقى من قطراتها ....
وحين دخل عليها وجدها واقفه كمن ينتظر شيء
ما ان شاهدته حتى تورد خديها وابتسمت تلك الابتسامه الساحره
بادرته قائله يبدو أ ن قهوتي اعجبتك اجاب بل صاحبتها هي التي .....
ولهذا انا من سيدعوك اليوم على فنجان قهوه ....
قالت : ها..... لكنني يجب ان انجز بعض الاعمال و.... اه
اشكرك لكنك فاجأتني
وفي سرها قالت ليته لايصدق كلامي...ايها الغبيه لماذا رفضت
اجابها وكأنه عرف داخلها اذاً انت موافقه ..تلاقت عيناهما وضحكا معاً
في الطريق لم يتحدثا كثيراً
وكأنهما يتحضران للخطوه التاليه
وفي الكافتريا القريبه قال لها بعد ان جلسا الى طاوله جميله
انا لست من هذه المدينه لاني طالب في الجامعه وتصادف ان تكون دراستي هنا
انا من العاصمه وفي الحقيقه يغمرني احساس بالحرج
لااعرف كيف اختطفتك لهذا المكان بهذه السرعه
مع اني لااعرف عنك سوى شيئين....انك بائعة الورد ..وتحبين القهوه بقطعتي سكر
ابسمت قائله: وانا اعرف عنك شيئين ايضاً انك رجل المطر..و..و..تحب وجهي من غير سكر
ابتسم وشعر بالارتباك قليلاً
اردفت قائله: مذ كنت صغيره احببت الورد
وكنت احلم بالورد كثيراً لهذا اسمتني شقيقتي حلم الورد
قال هو: اها .. اسم جميل يشبهك كثيراً
استطردت هي: شكراً
وحين كبرت اشترى ابي هذا المحل واصبحت حياتي كلها مع الورد ومع شقيقتي التي
هي اقرب انسان لي في هذه الدنيا
هي صديقتي وشقيقتي وكل شيء لكنها تزوجت وتركت لي هذا المكان
وقد حزنت لفراقها لانها كانت تشبهني بكل شيء تحب ما احب ونتشارك في كل الصفات والمشاعر والاسرار
وها انت تقتحم علي وحدتي والغريب اني تبعتك من دون ان ادري كيف .. ولماذا.. يارجل المطر.
تحدثا بأمور كثيره ذاك الصباح ومع كل ثانيه تمر كان يقتربان من حافة الانجراف نحو الحب
كلاهما اراد الانتقال بالمشاعر للمستوى الاخر.....
وهنا انتبه الى توقف القطار في احدى المحطات ...
نظر من عبر زجاج النافذه لاحظ صعود بعض الركاب وكان على رصيف المحطه بعض المودعين وقد تشابكت دموع الحنين مع المطر... تحرك القطار من جديد
كما تحركت احزانه لذلك المنظر
الذي عاد به الى لحظته المؤلمه حين ودعته بنفس القطار
بعد ان امضيا بضعة اشهر في اطهر علاقة حب...
تذكر جيداً دموعها التي احتلت ذاكرته وقلبه وكيانه حين عاد للعاصمه.
لكنه الان قد عاد الى حيث ترك قلبه وبعد ساعات سيلاقي حلم الورد
هذه المره لتكون شريكته لباقي العمر ....
بين ذكريات السنة الماضيه واحلام المستقبل اغمض قليلاً.... كان يراها في كل شيء
احب ذلك الوجه وتلك الروح...وكلماتها وبساطتها ..تجول في الاشهر الاربعه التي نضج فيها حبهما والتقت خلالها روحيهما ....
في تلك اللحظات توقف القطار في محطته الاخيره....
فتح عينه كان الصباح قد اشرق
لم يكن يدري متى نام لكنه احس بسعاده لانه وصل ..
احزم حقيبته نزل مسرعاً استقل اول سيارة اجره ... في الطريق كانت مشاعره مزيج من الخوف واللهفه
توقف اما م محل الورد نزل بسرعه نظر لداخل المحل كانت واقفه
لكنها بدت نحيفه قليلاً وبسرعه دخل المحل
كانت هي منشغله ببعض الفواتير والى جانبها طفله جميله
وقبل ان يتفوه بكلمه سمع الطفله تقول لها :
ماما كلمي هذا الرجل!!!!
انصعق في مكانه وارتبك لم يفهم ماحدث
قال مصدوماً : من هذه الصغيره
قالت: اهلاً رجل المطر كان سلامها باهتاً ...
هذه ابنتي قال :اذا انتي متزوجه
اجابت : نعم
قال: اين حبنا ووعودك ماذا فعلت لك لاستحق هذه القسوه
اجابت ببرود : انا لم اعدك بشيء ولم احبك لحظة واحده
اراد ان ينهار لكنه قال : وما معنى كلماتك.. ودموعك.. ونظراتك.. التي سكنت روحي
اجابت لم يحدث كل ذلك مني!!!
انا في الحقيقه لم اعدك بشيء
قال وقد اصفر وجهه: هل انا في حلم..لاادري هل انت حلم الورد.. لايمكن ان تكوني هي
اجابت وقد ابتسمت :ببساطه شديده ياصديقي انا لست حلم الورد
بل شقيقتها التوأم لانها تقف خلفك الان!!! وهي تتوعدني بعقوبه على هذا المقلب
لانك لم تراني ولا تعرفني اما انا فأعرفك جيداً لانها لاتكف تتحدث عنك كل يوم
التفت منبهراً صارت امامه بجمالها الاخاذ وهي تستعد لمعانقته
قال لها حبيبتي دعيني استرد انفاسي اولاً واتماسك ..كدت اموت من الخوف والصدمه
وكان اول شيء فعله .. جثا على ركبتيه قائلاً: هل تتزوجينني يا حلم الورد
اجابت : احبك رجل المطر....
انتهت
بقــــــــــــلمي
القصــــــــــــدي